السبت، 22 سبتمبر 2012

كم عمرك؟


زار أحد الشباب وكان اسمه ( جبر) إحدى المدن ، وقرر مضيفوه أن يطوفوا به
البلدة ترحيبا بمقدمه ، وفي نهاية الجولة مروا قريبا من المقابر ،

فدنا (جبر) من شاهد إحدى القبور فوجد مكتوبا عليه :
هذا قبر فلان بن فلان ولد سنة 1910 وتوفي سنة 1975 ، وعاش 7 سنوات ،

ومر على شاهد آخر فوجد مكتوبا عليه :
هذا قبر فلان بن فلان ولد سنة 1922 وتوفي عام 2000 وعاش 4 سنوات !! .

ومر على ثالث ورابع ، وكل شاهد مكتوب عليه تاريخ ميلاد وتاريخ وفاة ،
وحساب للسنوات التي عاشها صاحب القبر لكنها غير دقيقة ،


فتساءل عن السر ؟
فأخبروه أنهم يحسبون لمن مات عدد السنوات التي عاشها بعدد
الأيام السعيدة التي قضاها في الحياة ويُسقطون تلك الأيام التعيسة
والحزينة فلا تستحق أن تُحسب من عمره ، لأنه لم يعشها أو يستمتع بها !!.

فهذا مثلا عاش 65 عام ، لكنه لم يسعد طوال هذه الأعوام سوى سبع سنوات فقط ، لذا
يكتبوا هذه السنوات السبع على أنها كل ما عاشه هذا الرجل ! .

هنا التفت إليهم ( جبر) مبتسماً في مرارة وقال : إذن يا أصدقائي رجاءً إذا
واتتني المنية في أرضكم هذه أن تكتبوا على قبري :
( هذا قبر جبر .. من بطن أمه إلى القبر) !! .


ْْْ   ْْْ         ْْْ

إن أهل هذه المدينة فطنوا إلى أن عداد السنين
لا يسجل إلا تلك اللحظات الجميلة السعيدة ،
وأن لحظات الشقاء يجب إسقاطها من ذاكرة الأيام غير مأسوف عليها .

ولا أقصد باللحظات الجميلة
لحظات المتعة المختلسة ، أو الاستغراق التام في لذات الحياة بلا حسبان
أو تدبير ، وإنما أقصد تلك اللحظات التي يسعد فيها المرء حقا ،
ويفخر بها على الملاء .

حتى الكبوات والملمات إذا ما استئسد المرء أمامها وواجهها
بشجاعة ، تصبح فيما بعد ذكرى حسنة تدلل على شجاعته وقوته وحسن تصرفه
وتدبيره ويذكرها عداد اللحظات السعيدة .

لكن الكثيرون منا للاسف ،
ما يلبثوا يصبغون أيامهم بفرشاة رمادية داكنة ، ويخاصمون السعادة في إصرار
غريب ، فهم يتهيبون القدر وكأنه ينصب لهم فخاً ، ويخاصمون الحياة وكأنها
تحاربهم ، ويرفضون أي دعوة للتفائل والمرح .

إن هناك من أدمن التشاؤم والحزن ، وطوقه القلق والخوف حتى أذعن لهما ،
وأعطاهم ناصيته يحركونها كيفما شاءوا في دروب سوداوية كئيبة .

إن السعادة كعصفور جميل ، ما يلبث يحط على كتف من ناداه ، ليغرد له أنشودة
البهجة والمرح ، لا يشترط أن تكون غنياً أو قوياً أو ذو سلطة ونفوذ كي يحط على كتفك .

إن شرطه الوحيد أن تكون راغباً حقا في سماع أنشودته الجميلة ،
أن تفتح ذراعيك متفائلاً ، مبتسماً ، راضيا بما كتبه الله عليك غير متذمر أو شاكي .

إن عصفور السعادة يطير فزعاً إذا ما لاحظ سحب التشاؤم
والخوف والقلق تلوح في الأفق , يهرب بلا استئذان ..
ولا يعود قبل أن تشرق شمس التفاؤل من جديد وتصفو سماء الواحد منا .

إننا يا صديقي نستيقظ بعد فترة وإذا بالعمر وقد سُرق منا ، وعداد السنين
لا يحوي إلا على لحظات معدودة من السعادة ،ونأسف على حياة ضاعت
دون أن نحياها حقاً .

0 comments:

إرسال تعليق